ارتبطت كلمة المعيدي بدلالات كثيرة، أذ نشأت في الاصل لتعطي معنى البدوي أو النبطي الذي سكن جنوب العراق، ثم تطورت معناها ليشير الى ” الشروكي ” والتي تعبر عن سكن مدن ” العمارة ، الناصرية ، البصرة “، ولكلمة المعيدي قصة في التراث العربي بالمثل الذي ورد فيه ذكرها ” أن تسمع بالمعيدي خيرا من تراه ” ، وتروي كتب التاريخ أن ضمرة بن شقة عندما قابل النعمان بن المنذر ، قال له ذلك بسبب غرابة شكله، ويرجع الاصل اللغوي لكلمة المعيدي الى انها تصغير لمعدي وهو رجل منسوب الى معد بن عدنان وهو أحد أجداد العرب، كان له ذرية حملت سمات التقشف والغلظة في العيش، وحين نعود الى قاموس لسان العرب لابن منظور نجد ان معد: والمعد البطن عن أبي علي ومعد حي سمي بأحد هذه الاشياء وغلب عليه التذكير والنسب معدي، ويذهب الكسائي الى أن المعيدي هو تصغير رجل منسوب الى معد يضرب مثلا لمن خبره خير من مرآته، ويؤكد أبن السكيت على انه تصغير معدي ولهذا يورد بيتا من الشعر لاثبات ما ذهب اليه ” ضلت حلومهم عنهم وغرهم سن المعيدي في رعي وتعزيب “، لقد نبع معنى المعيدي من ما تسمع دون ترى ” اسمع به ولا تره ” ، والمفارقة في دلالة كلمة المعيدي أنها تعطي ما تسمعه أكثر أهمية من أن تلقاه وتعاينه، فصاحب المثل أحد فتاك العرب ” ضمرة بن شقة” أكثر من غار على حمى الملك النعمان بن المنذر حتى أجهده ولم يستطع صده أو منعه، وحين رآه النعمان سأله : اذ كتب اليه أن أدخل في طاعتي ولك مائة من الابل فقبلها ضمرة وأتاه، فبادره النعمان بسؤاله من أنت؟ وكان ضمرة قصيراً ذميما تزدريه العين، حينها قال النعمان : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فدر عليه ضمرة ممتعضا : إن الرجال لا تكال بالقفزان وليست بمسوك يستسقى فيها، وإنما المرء بأصغريه : قلبه ولسانه، إن قاتل قاتل بجنان وإن نطق نطق ببيان، أوردها أبي هلال العسكري في كتابه جمهرة الأمثال.
لم يظل من المعيدي غير المثل الذي نتج عنه، وبات يضرب اليوم لمن يقدم على شيء وسمعته سبقت شكله، وفي بعض الاحيان يحصل العكس حين تتعامل مع شخص معروف ويصيب منه الضرر أو عدم الفهم، عندها ينطبق على هذا الامر ” أن تسمع بالمعيدي خيرا من أن تراه ” ، ان التأمل في معنى وقصة المعيدي يظهر لنا كيف هي ثقافتنا مصابة بأولوية ان تسمع على حساب التثبت والمعرفة، ولعل ما جرى مع المعيدي يتكرر كل يوم في حياتنا اليومية.